(بغداد)

(بسم الله الرحمن الرحيم)
لقد كتب وألف ونظمت القصائد وتحدث الكثير عن بغداد، ومعالمها او قصورها، وجامعاتها،ومساجدها، وعلمائها، وفقائها، ومن حكمها، وتجاراتها، والالام، والاحداث، والظروف التي مرت بها والامراض التي فتكت بها (كالطاعون والهيضة) والفيضانات والحروب وما نتج عنها من تدمير وويلات.. الا انها بقيت بغداد.. فنهضت شامخة مرفوعة الرأس (تعد بغداد المدينة الوحيدة التي تبقى برغم ما تمر بها من محن)
على بغداد ما بقيت سلام
يضوع كما ذكا للورد نشر
يظلل دجلة منها جناح
كما باهى بقادميته نسر
فيا بغداد لا ينفك سر
لحسنك ينجلي فيدق سر
بغداد يا ظل الاماني واعجوبة الزمان، ويا موئل الاحرار، وياقلعة الاسود، ويامكملة، الاعراس، وياكعبة العلم والادب والفن، يامثابة المجد ويا توأم التاريخ وبهجة الدنيا، ياحمى العروبة وراية الاسلام وياطلعة اللااىء وجنة الاحلام.
ماذا سأكتب فيك يا محبوبتي
فهواك لايكفيه ألف كتاب
بغداد لايكتب او يتحدث عنها الا من يعرفها تمام المعرفة ويقدرها حق قدرها.. الا بينها النجباء. الاصلاء العريقين.. وساكنوها الذين كانت مساقط رؤؤسهم فوق ترابها الطهور.. فأنهم الاجدر برواية مأثرها واحرى.. وهم اعلم باخبار مفاخرها وادرى.. وستطرادا يرد القول صحيحاً وصريحاً. في ان بغداد المدينة والناس والتاريخ وبكل مافيها وماعليها وما لها.
وبكل مادخل اليها وخرج منها وصدر عنها.. هي (الكل) الذي تتألف منه الاجزاء.. المحلات، الشوارع، الدروب (الازقة) المعالم، الاثار، المساجد، المدارس، الناس الذين يعملون فيها.. وكل ما يتعلق بها وبسياقاتها. والحياة في حاراتها من شؤون وشجون.. وليس من مدينة او موقع او محلة الا ولها ماض مكتوب في سجلات التاريخ ومروي للناس ولها ايضا حاضر مشهود ومعهود يعيشه الاحياء المعاصرون.. اما المستقبل فأمره بيد الله لانه سيكون للاجيال الاتية حاضراً سيتلوه مستقبل اخر وهكذا سيبقى الزمان موصول الحلقات ولكن هذا الماضي ومايتبعه من حاضر ثم المستقبل سينسى في القريب والبعيد تبعاً لتوالي الزمان ما لم تدون مفرداته من حوادث ووقائع و مشاهد وصور وذكريات ومناسبات ومبادرات ومعارك وسير وتراجم الناس الذين صنعوا تلك الاحداث ومن ذلك كل حارة من حارات بغداد حيث ملاعب الطفولة والصبا ومرابع الشباب ثم الرجولة كهولة ومشيباً وحيث الذكريات حلوها ومرها التي قد تمحى الدنيا ومن فيها ومافيها ولا تنسى او تغيب عن افكارنا ومراحل حياتنا.. وكل مابعدت الايام ازداد شوقنا الى استذكارها وكثر تطلعنا نحوها نستذكرها بكثير من الشوق والحنين. هذه الحارات والمحلات التي اندرس بعضها او تهدم او زال من الوجود اصلاً بسبب العمران والتشييد وشق الشوارع وتوسيع وانشاء الميادين والساحات والحدائق والعمارات او بسبب ما اصابها من تخريب او دمار او نتيجة تسرب المياه الجوفية الى سراديب اهلها الاصليون من الذين تداولوا السكن في بيوت المحلة من اباء واجداد وابناء واحفاد وقد هجروها وغادروها الى مناطق اخرى من ضواحي بغداد (باب الشرقي، البتاوين، السعدون، العلوية، شارع ابي نؤاس، الكرادة الشرقية، الاعظمية، وضواحي في جانب الكرخ) ولذلك فان كثير من تلك المحلات واسمائها ومرافقها ومعالمها وعوائلها ونشاطات اهلها وطبيعة ما كانوا يمارسون من مهن واعمال قد غابت او غيبت عن ذاكرتنا وعن صحائف التاريخ بسبب قدم العهد الذي تطاول حتى بلغ وتجاوز قرن من الزمان ولان تاريخ مدينتنا الخالدة بغداد باكمله وتمامه يساوي مجموع تواريخ حاراتها واخبار اهلها والعكس صحيح ايضاً ان هذا التاريخ بمجموعه ومفرادته اصبح معرضاً للتشتت والغياب والنسيان للاسباب التي ذكرناها انفاً لذلك صار واجباً وطنياً فيه خدمة جليلة للتاريخ والتراث والمجتمع ان نسعى الى تجميع وجرد وتبويب وتنظيم وتحقيق كل ما يصل الينا او نصل اليه نحن اهل كل محلة على انفراد من اخبار ومدونات وصور ووثائق وخرائط وروايات ورسائل واحاديث وذكريات وتدوينه بدقة في اوراق قد تستوي كراسه او كتيباً او كتاباً او عدة كتب لا يهمنا (الكم) بل يهمنا (الكيف) وينشر على الناس ليكون موضوعاً للنقد والمراجعة والتغيير والاضافة والحذف من الاخرين وبهذا التصرف فقط نستطيع حفظ تاريخ كل محلة بغدادية على انفراد ليصار بعد استكمال جميع الجوانب الى حفظ تاريخ بغداد كلها وبغداد أمنا الرؤوم جديرة بكل جهد وسعي ومثابرة من اجل ابرازها على حقيقتها افقاً للمعالي وملحمة للجلال ونجوى للخيال .

يسلمووووووووو على الموضوع